جمع بين التلحين والغناء ومن خلالهما عبّر عن البسطاء والشعب بطريقته السهلة التي وصلت للقلوب، محنة فقدانه البصر وهو في الثانية من عمره لم تكن عائقا امام الشهرة الكبيرة التي حظي بها الفنان الراحل سيد مكاوي، فأذنه الموسيقية كانت الوسيط بينه وبين العالم السحري للفن، وإستطاع بأعماله ان يحفر اسمه بين نجوم زمن الفن الجميل سواء بألحانه او أغانيه التي قدمها بصوته.
نشأته وحياته وكيف أثّرت في نجاحه
كان سيد محمد سيد مكاوي دائما مشغولا بالناس والبسطاء وعامة الشعب، وهو ما ظهر بوضوح في أعماله. وهنا نعود لنشأته لنجده ولد في حىيشعبي بسيط "حي الناصرية" بمنطقة السيدة زينب بمدينة القاهرة في 8 ايار/مايو عام 1929، وكان والده محبا للغناء والطرب ويمتلك 3 آلاف اسطوانة، وكانت والدته تشتري له الاسطوانات القديمة من البائعين بثمن رخيص كي يسمعها.
في عمر الثانية اصيب بالرمد ولأنه من اسرة فقيرة لم تمتلك المال الكافي كى يذهب وقتها لطبيب العيون ففقد بصره وهو صغير، وقرر بعدها بسنوات أن يتعلم تلاوة القرآن الكريم وكان يؤذن ايضا في مسجد أبو طبل ومسجد الحنفي بالناصرية وهو لا يزال صغيرا ووقتها ايضا أسّس فرقة للإنشاد الديني مع زملائه يقدمون فيها في المناسبات المختلفة اناشيد دينية.
كان سيد مكاوي متابعا لكبار المقرئين والمنشدين مثل إسماعيل سكر والشيخ مصطفى عبد الرحيم وكان يكفيه أن يسمع الموشح مرة واحدة كي يحفظه عن ظهر قلب.
فقد مصدر رزقه بسبب حبه للفن
أحب الناس سيد مكاوي كقارئ للقرآن الكريم ولكن بعد أن غنى الموشحات والأدوار في المناسبات المختلفة بدأ يفقد وظيفته كقارئ للقرآن لكن ذلك لم يثنِه عن حبه للغناء، فقدّم في الاذاعة في بداية الخمسينيات وبعد عناء تمت الموافقة لكي يغني ربع ساعة فقط في العام وكان يدفع من جيبه للفرقة الموسيقية كي يحقق حلمه قبل أن يتم تخصيص مواعيد شهرية ثابتة له كي يقدم من خلالها الموشحات على الهواء مباشرة، وكان يعتبر الألحان وسيلته للتعبير عن مشاعره وهو ما قاله في حواراته سابقا :"تعلمت من الألحان التعبير عن ما بداخلي وأنا مدين للناس بتعلم الموسيقى واعرف ما يحبون بقدر ما احبهم وربنا يوفقني".
شريفة فاضل سبب شهرته وأم كلثوم تتعامل معه
لاقت اغنية "مبروك عليك يا معجباني يا غالي" التي غنتها شريفة فاضل شهرة واسعة له، كما ان لحن "اسأل مرة عليا" سلّط عليه الضوء اكثر. وكانت النقلة الحقيقية في حياته حينما تعاون مع كوكب الشرق أم كلثوم في اغنية "يا مسهرني"، ففي حوار له قال إنه وجد مقال لرجاء النقاش بعنوان "لماذا لا تغني أم كلثوم لسيد مكاوي"؟ وخصوصا انه تعاون بألحانه مع صباح ونجاة ووردة وشادية. وبالفعل طلبت أم كلثوم من عازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي أن يجهز لها لقاء مع سيد مكاوي، وفي أول لقاء وصل في الموعد المحدد وذهب مع أغنية "يا مسهرني".
وردة الجزائرية أخرجته من العزلة
سوء الحظ لاحق سيد مكاوي فيما بعد حيث وافقت ام كلثوم على تقديم اغنية "اوقاتي بتحلو" وقامت ببروفات عليها لكنها توفيت قبل أن تقوم بغنائها في حفلة أو اسطوانة مما جعل سيد مكاوي يدخل في حالة عزلة. إلا ان الفنانة وردة الجزائرية اقنعته وقتها بأن يقوم هو بغناء الاغنية بنفسه وهو ما قام به بالفعل بعد فترة، ووصف أم كلثوم قائلا "لسه مجاش حد زيها وياريت مطربينا يقدروا يوصلوا ليها".
لم يتعاون مع عبد الحليم حافظ خوفا على أصدقائه
وعلى الرغم من رغبته ورغبة الفنان عبد الحليم حافظ في التعاون سويا لكن بعد وفاة العندليب وفي حوار له مع الاعلامي حكمت وهبي قال إن عبد الحليم حافظ كانت له شلة من الملحنين وكان يخشى أن يتعاون معه فيتسبب في وقف عملهم لمدة حتى يقدموا لحليم لحنا جديدا حتى ولو اضاع على نفسه فرصة التعاون معه.
حرص مكاوي ايضا على التنوع فقدم أغنيات شعبية مثل "آخر حلاوة مافيش كدا" وما تيلا يا مسعدة نروح للسيدة" وايضا قدم اغنية "حدوتة" لمحمد قنديل.
أوبريت الليلة الكبيرة كان سببا في زواجه
كانت السيدة زينات خليل وهي رسامة تشكيلية وابنة تاجر كبير في دمنهور وصلت إلى القاهرة كي تكمل تعليمها، وحين حكت لها زميلتها عن سيد مكاوي الذي يعلمها عزف العود وقعت في غرامه قبل أن تقابله شخصيا وطلبت من زميلتها ان تقابله فذهبت بحجة رغبتها في رسم اسكتشات فنية لأوبريت الليلة الكبيرة وبعدها أُعجب فيها الفنان سيد درويش وطلبها للزواج في عام 1961 وعاشا سويا قصة كفاح وكان يناديها نونا بينما كانت تناديه ابو السيد وأثمر الزواج ابنتين هما اميرة وايناس.
ولم يكن "الليلة الكبيرة" وحده من الأعمال التي خلدت الراحل سيد مكاوي لكن ايضا "المسحراتي" وهي التجربة التي لا تزال تحقق صدى كل رمضان واقترب خلالها من قلوب كل محبيه. إضافة لتقديمه رباعيات صلاح جاهين.
وقد توفي سيد مكاوي في 21 نيسان/أبريل لعام 1997 بعد أن ترك مكتبة موسيقية زاخرة بأهم الاعمال التي قدمها خلال مشوار فني كبير منها "متفوتنيش انا وحدي" و"اوقاتي بتحلو" و"أنا هنا يا بن الحلال" و"اسأل مرة عليا"، وغيرها من الاغنيات لكبار النجوم وايضا تلك التي غناها بنفسه.